القائمة الرئيسية

الصفحات

مسحوق الزجاج



حاولت الوقوف، فلم تستطع، ولم تجد شيئاً تتشبث به لتصلب جسداً أنهكته السنون.دفع بها أرضاً، ثم خرج وأغلق الباب خلفه، وغادر.. غادر إلى حيث المجهول، توسلت إليه، رجته أن لا يفعل، أقسمت عليه بذلك فلم يستجب لها.. تبعته.. تبعته حتى خارت قواها.. وتعثرت بعباءتها فسقطت.. سقطت.. وكأنما السماء انتفضت لسقوطها.. والأرض مادت، أو كادت أن تميد بها.

عن بعد لمحته يعدو مترنحاً.. بعد لأي صلبت طولها، واصلت السير باتجاهه.. صوتت له.. رجته.. توسلت إليه أن يتوقف..

بعيون دامعة، وقلب وجل رجته أن لا يفعل، توسلت إليه، فلم يرعو، لم يأبه بها، ولا بتوسلاتها.

قُدّ قلبه من حجر..

ورقّ قلبها له.. وانفطر..

*   *   *   *

شابٌ يقود سيارته بسرعة قاتلة.. اقترب منها.. حاول أن يتفاداها.. ولكن..

*   *   *   *

على السرير مسجاة.. وعيون ترقبها عن اليمين، وعن الشمال..

دفعت بكمام الأكسجين، أرادت القيام فشعرت بألم في ذراعها.. إبرة غرزت في وريدها اتصلت بكيس عُبئ بسائل.. ثم غابت عن الوعي!!

ظلت تهذي باسمه.. وتهذي.. وترجوه أن لا يفعل.

*   *   *   *

ثلاثة أيام أمضتها في المستشفى كانت كافية لاسترداد عافيتها، والتأكد من سلامتها، والاطمئنان على صحتها.. فأذن لها بالخروج.

-نحتاج حضور زوجك ليوقع تصريح الخروج.

-إنه متوفٍ.

-رحمة الله عليه.. إذاً أحد أبنائك.

-أغلق الباب دوني وغادر " قالتها بعينين زائغتين "... " ثم أردفت " توسلت إليه، أقسمت عليه بذلك ، تبعته.. تبعته.

وشردت بذهنها إلى ما قبل عام من الآن حينما دفعت باب غرفتها، على صوت بكائه، ونشيجه، وتلويه كالملدوغ... حاولت معرفة ما به فلم يجبها، رأته يتفصد عرقاً، وينهش ذراعيه بأسنانه..

توجهت نحو الهاتف لتطلب الإسعاف فدفعها بقوة.. وخرج يترنح.. تبعته.. لحقت به فرأته يغادر غرفتها جهة الشارع وشيء بيده لم تتمكن من رؤيته ملياً...

بعد ساعة تقريباً عاد إليها بأحسن حال.

استمرت الأزمة تعاوده لشهور متقطعة دون أن تدرك علّته، وقسمه عليها أن لا تجلب له طبيباً مهما تأزم وضعه و إلا سيهجرها للأبد، حتى أتى اليوم المشئوم فاشتد عليه الأمر، وأخذ في تحطيم كل شيء أمامه وهو يبكي، ويصرخ، ويتلوى كالملدوغ، ووالدته تحاول ضمه إلى صدرها، والتخفيف عنه، وترجوه أن تستدعي الإسعاف فيصر على الرفض، لتضعه أمام الأمر الواقع، وتطلب الإسعاف فلا قدرة لها على تحمل مأساته... بعنف سحب سماعة الهاتف من يدها.. ثم دفع بها أرضاً... وأغلق الباب خلفه وغادر.. غادر.. رجته أن لا يهجرها، وتبعته... تبعته.. تبعــ...

*   *   *   *

-خالة... يا خــالة

-هااااه.. نعم..

-هل لديك مانعاً في أن أوقع عن ابنك تصريح خروجك؟

-شكراً على إنسانيتك يا دكتور.

*   *   *   *

تغادر المستشفى قاصدة منزلها.. ويدخل ابنها من خلفها المستشفى ليودع في ثلاجة الموتى لإصابته بنزيف في الدماغ جراء استنشاقه مخدراً سحق بزجاج.



  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
sinan

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق