في يومٍ لم يرَ الشمس حرفيًا، جرى ما جرى لسمير حمص، بدأ الأمر ظُهرًا حين أحس ثِقَلاً في صدره، كتلةً لحمية لم يعتدها تشبَّثت به؛ أبطأت وتيرة أنفاسه. لم يزعجه ضيق النفس؛ أرجع الأمر إلى السجائر، والمعسل الرديء، ما ضايقه كان هذا الشعور السخيف بأن صدره أصبح عبئًا عليه. لكنه تجاهل مخاوفه وأكمل يومه.
كانت قد تجاوزت التاسعة بقليل حين رجع إلى بيته، حَزَقَهُ البول كعادته حين يخطو أُولى خطواته إلى عتبة المنزل؛ أسرع إلى الحمام، وبعدما تخلص من دفقته اللَّحوحة؛ تعرَّى تمامًا أمام المرآة التي أبرزت نصفه ت متكوِّرين أمامه، أما حلماتهما فقد انتصبتا تستطلعان الأجواء من وراء شعر صدره الكثيف. ثوانٍ مرت وسمير لا يستوعب ما تراه عيناه. بلع ريقه مراتٍ، وانتابه هلع شديد قفز بدقات قلبه، صرعه صقيعٌ لم يعهده من قبل، والعجيب أنَّ عرقًا غزيزًا أخذ يتكوَّن على جبهته. شعر أنه قاب قوسين من مغادرة دنياه. فتهاوى إلى قاعدة المرحاض، مال على جنبه، وأسند رأسه إلى الحائط، أحس بخَدَرٍ بدأ يدب من أعلاه، متوغلاً في بقية جسده. حين هدأ قليلاً، وقف مرة أخرى، وأخذ يحملق في المرآة، وبحذر يخالطه الخوف يُعَاين حاله الجديد.
في هذه الدقائق مرَّت على خاطره كل الاحتمالات: سرطان، هرمونات، غدد متضخمة، عملًا خَطَا عليه، دعوة لمظلوم تمكنت منه، خلل في عينيه، عالق في حُلم طويل! لم يترك احتمالاً لم يُفنده، ثم استفاق على حقيقة واحدة أن سمير حمص استحال إلى سميرة "بِزُّو" كما سيطلقون عليه في كل مكان: الحي، العمل، المقهى، وحتى امرأته بالتأكيد سترفض أن تضاجع رجلاً نبَت له ثديان.
رغب في البكاء فأبت عيناه، بدا الأمر له مثيرًا للضحك أكثر منه باعثًا على الأسى. اقترب قليلاً من الحوض، تطلَّع لوَرَمَيْه الجديدين، كلما حاول أن يضغطهما نفَرا أمامه مستديرين رافضين التواري. دقَّق النظر فوجد حلمتيه قد انكمشتا قليلاً. عاين نصفه السفلي متخوفًا من أيِّ تغيُّر آخر، لكن الأمور ظلت على طبيعتها، تحمَّم ولبس ملابسه وخرج لايلوي على شيء إلا الاختفاء عن أعين زوجته وابنتيه.
مشى إلى حجرته، وقد ضم ذراعيه إلى صدره، جاءته امرأته فعاجلها بحسمٍ أنه يحتاج إلى الراحة قليلاً؛ محاولاً إنهاء أي فرصة للحديث. نفرت المرأة بعيدًا، لم تلحظ شيئًا، دخل الفراش، وتكوَّر بهدوء على جانبه الأيمن، ترك لثدييه حريتهما فاستكانا، حاول أن يهدأ ويتماسك مرة أخرى، استعاد أحداث اليوم كله. ذهب إلى العمل صباحًا، خرج في الثالثة من عمله، ذهب مع صديق وتناولا الغداء عند جابر السمَّاك، عادا وجلسا على المقهى، شربا الشاي، وحجرين (السلُّوم)، قام في حوالي الثامنة والنصف عائدًا إلى منزله، لم يجد في يومه شذوذًا. يوم طبيعي بلا مشاكل ولا أحداث يفترض فيها الغرابة. لم يأكل سوى ساندويتشات فول وبيض في الإفطار، والغذاء كان سمكًا بلطيًا وأرزًا، وشوربة جمبري ملأها بالشطة. فكَّر قليلاً فيما يشيعونه عن هرمونات الفراخ "البيضا"، ثم تذكر أنه لم يتناولها منذ الشهر تقريبًا.
غفا سمير، وسرعان ما ذهب في نومٍ ثقيل، اجتاحته جيوشٌ من الأحلام، آخر ما تذكره منها حين أفاق جحافل من الأرانب العرجاء تتبختر أمامه في طريقه إلى العمل صباحًا، وتسد عليه الطريق.
قبل أن يفتح عينيه صباحًا. باغتته أحداث البارحة فأبقاهما مغلقتين بالقوة، تمتم بعددٍ من الأدعية، وتلمَّس ثدييه فوجدهما قابعين في شكل هرمي كما هما..، فتح عينيه ونظر بجواره، كانت المرأة عالقةً في نومها، قفز سريعًا من السرير وذهب حَذِرًا يُقلِّب في أدراجها؛ أخرج صديريتين تلفهما بعناية، اختار الصغرى التي لم تعد تناسبها، ثم انتقى "فانلة" ضيقة من خزينة ملابسه. حشَر صدره فيهما سريعًا، أكمل هندامه، وخرج يتحرَّى الطريق أمامه.
على غير عادته وصل عمله مبكرًا. نظَّم مكتبه، واستعار عدة ملفات قديمة من رَفٍّ بجواره، صفَّها أمامه بشكل عمودي محاولاً إخفاء ما استطاع من نصفه العلوي، بدأ توافد العملاء، وتشاغل سمير بالعمل بنصف عقل، فقط في منتصف النهار شعر ببللٍ يغزو صدره، في البداية ظنه عرقًا تكوَّن من تجاور الكتل اللحمية الجديدة، لكن إشارةُ عميلةٍ عجوز لقميصه نبَّهته لبللٍ أخذ يتسع، ما جعله يقفز سريعًا ليتوارى في حمام المصلحة.
قذف صدر سمير لبنًا! كان السائل الأبيض ينساب من حلمته اليمنى بلا توقف. وقف يعصر ثديه في المرحاض ويبكي. استحال بكاؤه نشيجًا متواصلاً. تذكَّر وصف أمه لهذه الحالة. هَمْهَمَ وسط نشيجه: "صدري حَنَّ يامَّا، صدري حَنَّ للعيال وأنا راجل يامَّا".
ليلاً ذهب حمص لطبيب أمراض ذكورة، والذي نصحه بالذهاب لآخر متخصص في الغدد الصماء. طلب الرجل تحاليل كثيرة، جاءت جميعها مطمئنة؛ سمير حمص رجل كامل الذكورة لا يعيبه شيء، هرموناته سليمة، ولكن صدره يقذف لبنًا.أخبره الطبيب أن الأمر غير خاضع للمنطق الطبي بالمرة؛ طلب منه الرجل أن يقابله بأطباء آخرين لعل أحدهم ينجح في كشف ملابسات حالته، ولكن سمير أرتعب من فكرة أن يصبح (فُرجة) على حد وصفه. ذهب لدكاترة تجميل، وأبدى رغبته في إزالة ورميه كما سمَّاهما، لكن كلما فحصه أحدهم نصحه بالذهاب لآخر. أخذته قدميه للشيوخ، لم يقدموا له جديدًا، لم يُسْحِر له أحد، ولا يوجد عمل مدفون في أي مكان. طاف بالأولياء، بكى ونذر، ولكنَّه ظل على حاله. من يقابله يُبدي أحيانا ملاحظةً عن ترهله، وتلك السِّمنة التي اجتاحت صدره.
رضخ للأمر الواقع مُتقبلاً ما يجود به صدره؛ فأحيانًا يقذف سائله الأبيض، وأحيانا أخرى يظل بالأسابيع جافًا. عوَّد نفسه على روتين يومي جديد؛ يصحو ليفرغ حمولته - إن وُجدت - في الحوض قبل الذهاب للعمل، واحتياطيًا كان يضع في صدريته قليلاً من القطن ليمتص ما قد يُعلن عن نفسه. وفي أثناء العمل يخطف نفسَه ويتوارى في مرحاض المصلحة؛ ليُفرغ سائله سريعًا. مرارًا حاول سمير فَطْمَ وليده المجهول، وفي كل مرة يخونه صدره فيتحجر من كثرة اللبن المحصور، ويُحَمُّ سمير وكأن نارًا اشتعلت ببدنه فيذهب ويعاود الكَرة.
لم تأخذ زوجته وقتًا لكشف سره، كانت قد أبدت ملاحظتها عن سمنته. حين صارحها فزعت في البداية، بكَتْ وولولت، ولكن مع الوقت أذعنت، بل وتعوَّدت على اختفاء صدرياتها؛ حين تختفي واحدة تعرف أن سمير يلبسها، وحين تجد أخرى مبللة فى الغسيل لا تتساءل عن السبب. صحيح أن الأمر سبَّب لها غصة، ولكن الحياة استمرت بوتيرتها العادية، نأى عن مضاجعتها إلَّا فيما ندر، كان يسمع ضحكاتها المكتومة أحيانًا..، فضَّل الاحتفاظ بماء وجهه وطلب منها بهدوء الانتقال للمبيت في غرفة البنات. وافقت سريعًا بلا مناقشة. صيفًا وشتاءً تعوَّد سمير ارتداء ملابس فضفاضة تُواري ما يود سَتْره، ولأنَّ الزمن كفيل بكل شيء، فقد مرَّ عام وجاء آخر، تلكأت فيه أقدام سمير على الذهاب للأطباء والشيوخ، تحرَّر من خوفه، وارتضى لنفسه حاله الجديد. تيقَّن من استحالة الصراع مع خصمٍ مجهول.
وفي أحد الأيام بعد مرور عامين على واقعته، هجر سمير زوجته وبيته، وانتقل لشقة صغيرة بالإيجار في نفس الحي. تغير كثيرًا، استوى في نظره كل شيء؛ يأكل ويشرب، ويذهب إلى عمله، ويتغوط ويتكلم، فقط لتستمر دنياه. تخفَّف تدريجًيا من حذره، ترك لجسده حريته، لم يعد يخنق ثدييه، ولا يصر على الملابس الواسعة. تصالح مع مظهره وقَبِل به. عاش حمص بعدها تسعة عشر عامًا بالتمام والكمال، لم يعد يذكر أخر مرة كَرِه أوتألم، رَغب أو أحب فيها، زالتْ طبقاتٌ من الأشياء التي ظلَّت تحجب رؤيته. كان يشعر في داخله أنه اكتفى تمامًا حتى قارب على الاكتمال. نهار يومٍ ما جلس سمير حمص برأسٍ فارغ لا يحوي مثقال ذرة من فِكر، مال على جنبه مُسندًا رأسه إلى حائط القهوة، ولم يَصحُ مجددًا؛ حينها انكمش ثدياه كأنهما كرة اُستلب منها الهواء فجأة.
تعليقات: (0)