تحاشيتها، ولكنها أصرّت عليك، أردت التنصل منها، فجذبتك نحوها بقوة، سحبت يدك اليمنى فجذبت الأخرى إلى صدرها بحنو، انتفضت، فتبسمتْ لك بخبث، كدت أن تضعف أمامها لكنك انتبهت فأطلقتَ ساقيك للريح… واسقط في يدها.
شارع ابن خلدون ألِفَ قدميك ساعة غدوك ورواحك لمدرستك التي تبعد بضعة أمتارٍ عن حي الاتصالات مقر سكنك..
أمامك أسابيع قليلة لتجتاز الثانوية العامة ، ورغم هذا لم تتأقلم مع الجو العام لمدرستك… عزاؤك الوحيد قربها من مسكنك أمام رفض والدك منحك سيارة ما لم تتخرج من الثانوية وتتأهل للجامعة.
* * * *
وحدها مصدر إزعاجك كل صباح تقريباً… تبدو فارعة الطول… واثقة.. جريئة.. مندفعة.. متهورة.. كيف لا تكون كذلك وتحت إمرتها سيارة رولزرايس فارهة، وسائق وسيم.
أظنها حرصت على وسامته ليمثلها..!!
عروض مغرية قدمتها لك وحجتها راحتك، مرات عدة تجاهلت فيها دعوتها بأن توصلك لمدرستك بسيارتها.. فتظهر لك عنادها وإصرارها...
تقيدك بحبائلها وإغرائها فتحل قيودها بكبريائك، ولامبالاتك، وقتت زمن خروجها مع زمنك، دقائق معدودة تلك التي تمضيها في نصب شراكها، ولكنها لا تظفر بالفريسة.
* * * *
- تبدو ثرية، منعمة، فهل من المعقول أن ترتبط بوظيفة صباحية.. مثلها ترفض القيود، والأنظمة الصارمة، والقوانين.
" قلت لنفسك ".. كأنها تمكنت من الاستحواذ على ذهنك!!
-وما شأني بها.. لتكن كما تريد!
قررتَ تقديم زمن ذهابك لمدرستك، وتأخيره حتى لا تلتقي بك... مضت أيام كنت بمأمن من اللقاء بها.. لم تكن على ما يرام.. أصبحت تراقب الشارع، وتمعن النظر في كل سيارة عابرة ، تعاتب نفسك على عدم سؤالك لها عن مكان عملها.. وأنت الذي لم تولِها اهتماماً كلما نوت التحدث إليك!!
في يوم قررت افتراش ناصية الشارع بعد انتهائك من أداء صلاة الفجر مباشرة، ربما تعبر فتراك. عند السادسة والنصف تماماً لمحت شبح سيارتها... وقفت... اقتربت السيارة منك.. اقتربت أكثر.. لوّحت بيدك.. خفف السائق من سرعته... واصلت التلويح.. توقف بقربك... نظرت للداخل.. خلف السائق.. لم ترها.. السيارة ذاتها.. بلونها البرونزي.. ورقمها المميز.. إذاً!!
- أين هي.. أليست موظفة كما توقعت.. أتراني أخطأت في حدسي.. يا لخيبتي وقد تغيبت عن المدرسة على أمل أن ألقاها..
انتبهت على صوت السائق يسألك عن مطلبك منه.. اعتذرت له.. وقبل أن يواصل مشواره لمحت على المرتبة المجاورة له ورقة كتب عليها:
بسم الله الرحمن الرحيم
مديرتي الفاضلة :
لدي مراجعات والتزامات قد تضطرني للتأخر لمدة ساعة ونصف تقريباً.. لذا أرجو التماس العذر لي... وشكراً.
ضمنت خطابها توقيع لم يفصح عن اسمها بجلاء.. عدت إلى منزلك تجر أذيال الخيبة.. ارتميت بجسدك على أول أريكة قابلتك، كنت منهكاً، أو شعرت بذلك لخيبة أملك، استرخيت قليلاً، واصلت استرخاءك مستسلماً للنوم، لا تدري كم من الوقت استغرقته في النوم، فقد أزعجك الهاتف برنينه.. تجاهلته.. و استمريت في استرخائك.. عاود الهاتف رنينه مرة أخرى.. أدنيت الكاشف منك.. بدا لك رقم المتوسطة الثـ..... للبنات.. ( باسمة ) تدرس هناك..
خمنت أن المتصلة أختك ( باسمة ). بتثاقل رفعت السماعة، أدنيتها من أذنك.. أتاك صوتها متقطعاً.. تبدو منهكة..!!
-أحمد أنا متعبة، قل للسائق يأتي للذهاب بي إلى المنزل.
-ولكني لا أراه الآن!
-أين ذهب؟
-لا علم لدي.
-لا أستطيع الاستمرار في المدرسة، فأنا متعبة جداً..
-وما.......
قبل أن تتم عبارتك سمعت صدى صوت أنثوي يتحدث إلى أختك.. كأنها تأمرها بشيء!
-ألو .. ( باسمه )
-انتظر قليلاً.
-..............
-أحمد ستتكفل إحدى المعلمات بإيصالي.
-خيراً تفعل..
دقائق معدودة وجرس الباب يرن، سرت نحوه، فتحته، وجدت ( باسمة ) تترجل من سيارة الرولزرايس البرونزية اللون بداخلها فتاة فارعة الطول.
تعليقات: (0)