وعد
حين نزع الليل قشرته، كان صوتك نفسه، يتعالى في أذني، نهضتُ. وكدت أصرخ من شدة الشوق: ها أنت ذي قفي.
فركت عيني. وميض داكن، بلون الرماد، مازال يغشاهما. لم أعبأ. أخذت أركض. وبدأت حرائقك تترقرق أمامي، صوب القمم والهضاب. حثثتُ خطاي. أريد أن ألثم ملمساً، من مقام التكوين الناري، وراحت موجات، من الدفء تشيع في أرجائي.
وقفت لأترع فيض حبوري، والتفت أمدّ يدي. بلى، رأيتك، ببريق دمي. حولي. ثم ارتفعت. وانهال طيفك ينداح بين قزع الغيوم. وطفق يزخّني بدفقات حميمة، من الشعاع. يا للفرح!!
... تردّد صوتك ثانية: "تقدّم".
نظرت، بعيني المغبشتين. أشرق وجهك كوكباً. وأنار كياني. ورحت أجري بخطواتٍ مخملية. وسعادتي تكركر، في شراييني. ولكن أُراني قد تعبت، يا غاليتي. إذن، قفي هنا، كما وعدتني. أنتِ قلتِ لي: أنا ألقاك، بين هذه السفوح والهضاب، لننده معاً، على العصافير، والهواء، ونستمع إلى جوقات البلابل، وهي تعزف نشيد الجبال...
ماذا قلت؟ أراكِ تبتسمين. وثغرك يضيء كنجم. هل قبلتِ؟ هيا انزلي، من عليائك. الأرض هنا، كساها الربيع بساطاً أخضر مزركشاً، بالفلّ، والياسمين، والأقحوان…. طبعاً. سيكبر فرحها بكِ، أتريدين أكثر، من ذلك، ألقاً وجمالاً؟
.. .. .. .. ../ .
تصمتين..؟ أ…؟ إذن. أنتِ تريدين عذابي، لأظلّ أركض. وأتحمّل مشاقّ السفوح. وصعود القمم.. هذا حرام. قفي. لا تعودي تحوّمين أمامي، يا فراشتي العزيزة. أنا لم أعد أستطيع.....
هَهْ..!!. أجدني أسمع صوتاً.
ويرنّ لحن عذب، في أذني:
- "تقدّم".
أف! أأبقى متقدماً، لأكتفي، منك بالنظر، في الهواء، وقبض الريح؟ نعم. كأنني عدت لا أبصر صورتك البهيّة، إلا داخل عيني، إذن، دعيني أظل هائماً، على وجهي. حيث البهرة تدعوني. وهالات البنفسج واللاذورد. تتسارع قبالتي. ولكن أراني لم أصل إليك بعد....
- "تقدّم"!
وحفيف مثير، لشعر فوضوي، يرفّ حولي، من جديد. وهذه صرخة أخرى. تخرج من فمي: يا ذات الجلال والجمال. كفاني ركضاً. بل شحبتُ وكبرتُ عمري، بمرتين. وتجاوزتُ ذاتي بهمّين اثنين. انظري من سدرتك، كيف تعمقّتْ أثلام وجهي. وازدادت كهولة شعري. الزمن هنا ممتلئ. اللحظة ألف عام. أجل. أجل. لقد هرمت الخلايا، في جسمي. لا أستطيع مجاراتك في الركض. فقفي حتى أستريح قليلاً. أنتِ صرتِ كالظالمة، يا ذات الجلال والجمال… أ.
…أ … هل أغضبك كلامي هذا؟ أرى أن السماء فوقي، قد ادلهمّت. وها هو ذا سحابها سيغمرني. لذا يجب أن أسرع نحو قممك العالية. حتى لا يبتلعني الماء المجنون، في شقوق الأرض. ولكن، يا دليلتي الطيّبة، عيناي الكليلتان غبشتا. لم أعد أرى بهما. ما هذا الهلام؟؟
أ.. دعيني أترك ما أعانيه. أنتِ وعدتني: هنا سيكون اللقاء. حيث سيفيض الربيع. ويزدهر. وسيرش أقماره، في الفضاء حقول برتقال. ترقص على أفنانها السنونو، مع الشمس. والغيم الأبيض…
تُراني أبتلع لهاثي، يا رقيقتي. سأتوقف عن الركض. وسيتوقّف معي هذا الليل، الذي بدا يشيخ مثلي. لقد اصطبغ فوداه، بالبياض. النهار القادم، سيغسل كل الأرجاء. ماذا سأفعل بطائر خيالك بعد ذلك؟؟
قولي، لي، برفةٍ من ثغرك الوضّاء. ولكن، كأنك لا تسمعين. أو بالأحرى، أنت لا تحبين أن يهدأ لي قرار. تحبين أن أظلَّ أخوض، بين هذه الذرا. باحثاً عن "الحلم الغجري". الذي زرعته، في ثنايا جروفها. أعدكِ أنني سأبقى كذلك. ما دمت شعاعاً يتخاطفني، على جبين هذا الشرق المضرج بدم الشفق
تعليقات: (0)