القائمة الرئيسية

الصفحات

وصف معركة أو ألم لا يطاق


 

حينما قفز ع. س هكذا وبضربة واحدة. من سن الطفولة إلى سن الرشد نمى إليه أن أباه كان قد مات. وأنه قد عُهد بتربيته إلى أمه. وأنه لم يبق سواه وإياها في هذا القصر الواسع الممتد. الكبير.

ثم نمى إلى ع. س أن أمه امرأة جبارة وطاغية. وهي فوق ذلك صماء وبكماء. أشبه بصخرة صلدة وقاسية. وأنها تسيطر على كل القصر بخدمه وجنده وحراسه وكلابه وقططه. وأن أمه الكبيرة هذه قد أمرت لحظة تحوله إلى شاب أن يبقى ممدداً في فراش أُعد خصيصاً له. وأن يقضي العمر كله ممدداً على هذا الفراش. أن يأكل في الفراش. أن يشرب. أن يبول ويتغوط في أواني أعدت خصيصاً لذلك تحمل إليه وهو في الفراش. أن يقرأ. أن يكتب أن يقضي العمر كله هكذا.

قال ع. س في سره:

- هذا مستحيل. إنه تعذيب. إنها سادية مطلقة. أنا الآن فتى يافع. لست طفلاً أو مريضاً كما يدعون.

ثم علم ع. س أن جيشاً من الخدم قد أعد خصيصاً لخدمته وهو راقد في فراشه. وأنه يستطيع أن يطلب ما يشاء. وهؤلاء الخدم مكلفون بإحضار كل ما يشتهيه أو يرغب به.

قالت الخادمة:

- هذه تعاليم السيدة الكبيرة.

ثم علم ع. س أن جيشاً آخراً من الأساتذة والمعلمين والفلاسفة والفقهاء قد ندبوا خصيصاً لتعليمه فن الحياة.. أستاذ للرياضيات وأستاذ للتاريخ وآخر للفلسفة وآخر للسيمياء. وآخرون لسائر العلوم الإنسانية والطبيعية.

قال له أستاذ التاريخ:

- هذه تعاليم السيدة الكبيرة.

حتى التغوط والتبول كان يقوم بهما ع. س وهو ممدد في فراشه. وكان ثمة خادمة كهلة.

وإن لم تكن تخلو من وسامة. تقوم بحمل أواني جميلة ومزخرفة له ليقوم بهذه الأعمال.

وحين سئم ع. س من كل هذا قال للخادمة ذات مرة:

- حسناً. أنتِ لا شأن لكِ بهذه الأمور.

ردت بلطف:

- لكنك لا تستطيع القيام بها بمفردك!.

أجاب ع. س بغضب:

- بل أستطيع.

قالت الخادمة ببرود مطلق:

- أنا آسفة. هذه أوامر السيدة الكبيرة. يجب أن تقوم بكل هذا وأنت ممدد في الفراش.

وأسقط في يد ع. س. ثم لاحظ ملاحظة لا تخلو من طرافة. وهي أنه حين يقوم بالتبول مثلاً داخل الإناء لا تستدير الخادمة حياءً. بل تحملق فيه بكل بلاهة وحماقة. بينما يقطر حياءً. لكنه فهم أنهم يعتبرونه طفلاً. طفلاً صغيراً بكل معنى الكلمة.

لم تكن أمه تزوره إلا لماماً. كانت تدخل غرفته بصمت يقطعه حفيف ثوبها الارستقراطي الفضفاض. تدنو منه. ثم تجلس على طرف السرير تحدق نحوه بصمت. وكان هو بدوره يبادلها نظرات صامتة. كانت صماء بكماء. لكن ع. س كان يراها أجمل مخلوقة على وجه الأرض. في عينيها سحر غريب. إنهما عينان مملوءتان بالحياة. ينبض في غوريهما سحر أخاذ. لكن مسحة من كآبة كانت تشوب قسمات وجهها. ولكن من يدري؟ لعل هذا كله من نسج خيال ع. س. أو لعله كان يحس بها كذلك.

ثم نمى إلى ع. س أن أباه الميت كان قد ترك له وصية. وصية له وحسب. وحين سأل ع. س عنها. وكان به شوق شديد لقراءة محتواها. حيث قال في سره لعلي أجد حلاً لكل هذه الألغاز. عندئذٍ حملتها إليه أمه. وكانت أمه لا تعرف القراءة ولا الكتابة. دخلت غرفته بصمت. أعطته الرسالة. ثم خرجت بصمت. ودون جلبة. وقد لاحظ ع. س أن ملامحها لم يشبها أي تغير.

فضّ ع. س الرسالة وقرأ:

ها أنذا في سبيلي إلى الرحيل نحو المجهول. إلى الرحيل أبداً إني أترك كل شيء لك. كل شيء أمانة في عنقك. أنت من صلبي. وأنت خليفتي الوحيد. أتركك مع أم طاغية قاسية وجبارة. وأمامك خياران. إما أن تقتلها وترتاح إلى الأبد من جبروتها وطغيانها. لكنك في هذه الحالة قد تواجه تأنيب ضمير أبدياً. وإما أن تتفق معها. أن تتصالح معها. أن تنسجم معها. وتعيشان في تناغم أبدي لكنك في كلا الحالتين يجب أن تتغلب عليها. يجب أن تسطير عليها لكي تسود العالم كما كنت أنا ذات يوم.

انتهت الوصية

حار ع. س في أمر الوصية. قارن بينها وبين واقعه وما فرض عليه ثم هجس:

- ثلج أسود. صحراء الروح. كابوس ثقيل. حلم منقرض. كون رمادي اللون. أرض بلا سكان وسكان بلا أرض. الأرض لا تدور بل ترقص على رمال ساخنة. تشرد. وهم. خيال. كون بدون إله.. وإله لايجد من يعبده.... هل هذا صراخ أم صمت؟!.. أم بين بين!.

موت سعيد. خلود في جهنم أو خلود على الصراط المستقيم. جدار أو سد أمام العقل والحرية. وجدان فياض يقف بإزاء صخرة صماء ويحاول أن يترك أثراً ما على هذه الصخرة.

ثم هجس:

- أعرف كل الطرق المؤدية إلى مداخل هذا الكون إلا طريقاً واحداً. وأتساءل أين الطريق إلى جهنم. مثوى كل الناس. فأنا أرغب في أن أظل معهم وحتى ولو كان هذا في جهنم.

طوى ع. س الرسالة. حدق قليلاً في الفراغ. ثم تمتم في سره:

- هذا لغز معقد.

ظل ع. س ممدداً في فراشه. غارقاً في تفكير عميق. أحس بأنه مريض فهجس:

- لست مريضاً.

ثم أحس بأنه طفل. ثم هجس:

- لست طفلاً.

ثم تساءل:

- وما هي الحكمة من وراء كل هذا؟ ما سر كل هذا؟

قال له أستاذ التاريخ. وهو أستاذه المفضل:

- أنت تبقى هكذا. لا حول لك ولا قوة.

رد ع. س:

- لكن هذا طغيان. تسلط وجبروت.

أجاب أستاذ التاريخ.

- هذه حكمة السيدة الكبيرة. وهي الطريقة المفضلة لديها. والتي اختارتها من أجل تربيتك وتنشئتك وتعليمك. حتى تكون مؤهلاً لأن ترث كل شيء بعد موتها. ولكن هناك شيء.

أجدني مضطراً لأن أبوح به إليك. وهو قد يثير الحزن في داخلك. ولكن لا مفر من أن أخبرك به:

تساءل ع. س دهشاً.

- وما هو هذا السر؟!..

رد أستاذ التاريخ:

- قيل أن السيدة الكبيرة خالدة لا تموت.

بوغت ع. س أحس بنفسه ينهار فجأة. لكن الأستاذ لم يترك له مجالاً للتفكير في مسألة خطيرة كهذه. فبادره بالقول:

- ثمة شيء آخر قد يكون أشد إيلاماً. وأجدني مضطراً مرة أخرى لأن أخبرك به.

تساءل ع. س وقد أحس بنفسه قطاً جائعاً يموء:

- وما هو؟!..

رد أستاذ التاريخ:

- قيل أنك أنت أيضاً خالد لا تموت.

هذه لعمري قاصمة الظهر. قال ع. س بصوت فيه حشرجة:

- هذا تعذيب أبدي.

ثم سأل ع. س أستاذ التاريخ:

- إني أعتقد بأن هذه تمثيلية. فمن هو المخرج؟

رد أستاذ التاريخ آسفاً:

- لست أدري. قد تكون أمك!.

قال ع. س:

- إذا كان المخرج شخصاً تافهاً. أصمَّ وأبكمَ. فكيف ستكون التمثيلية!

وكيف ستمضي حفلتنا؟!..

لم يجب أستاذ التاريخ. بل أطرق يفكر بصمت. وصمت ع. س أيضاً.

ثم هجس ع. س في سره:

- أموء مثل كلب. وأعوي مثل قطة. المسرحية لم تختلف وإن اختلف الممثلون. وظل المخرج وحده سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع. أتساءل وأصرخ. من هو مخرج تمثيلية هذا الكون الواسع الغريب؟!..

ثم هجس ع. س في سره:

- يا امرأة تحرقني ثم تشويني. ثم تأنف مني ومن لذتها. أحترق شوقاً إلى امرأة تمتص رغباتي كما يمتص الإسفنج الماء. اكتوي بجمرة الحب والألم. نيران شهوتك يا امرأة بركان هائج. بحر عاصٍ ويكره القوانين بل ويعشق التمرد أحياناً. البحر طاغية من طغاة الطبيعة أريد امرأة تخفي تحت جلدها أبليس الشهوة وتدخله إلى جنتي القاحلة. الأرض كوكب بيرقه الحرمان.

استسلم أيها الفتى لطغيان أمك. لا. لن أستسلم. سأحمل رسالة أبي وأنفذ وصاياه كما يشتهي العقل والقلب. كما تشتهي الروح. أبي مات. ولكني استمراريته الأبدية. خليفته، وأعتقد أن أمي امرأة حنونة. لكنها طاغية في الوقت نفسه. لقد تحول الحنان في داخلها إلى رغبة في تدمير من يحبها وتحبه. وهدفها من وراء ذلك هو أن تطويه تحت إبطها وتتملكه إلى الأبد. لكن أبي أعظم من أمي. فليست هذه الأخيرة سوى ضلع من أضلاعه. لذا سأنفذ وصاياه. لا كما يفهمها الأغبياء والجهلة. ولكن كما يفهمها عقلي وروحي.

ثم تمتم ع. س في سره:

- هنالك خياران أمامي ولا ثالث لهما. إما أن أقتل أمي الطاغية المتسلطة أو أن...... أتحد معها. ألم أكن في الأصل جزءاً منها!. هي ولدتني. فلا غرو من أن أعود إلى الاتحاد معها مرة أخرى كما كنا نفعل زمن الطفولة والبراءة.

ثم أن ع. س قدّم التماساً إلى أمه يطلب فيه أن تسمح له بالخروج برفقة أستاذ التاريخ للتنزه في حديقة القصر قليلاً. فجاء الرد بالموافقة شرط أن تكون هذه أول وآخر مرة يسمح له فيها بالخروج خارج غرفته أو سريره.

وهكذا أتيح لـ ع. س أن يخرج. وما أن خطا خطوتين حتى أُخذ بجمال الطبيعة. كان صباحاً جميلاً. وقد سلبه جمال حديقة القصر. نسمة هواء باردة وعليلة. شمس حديثة النشأة دافئة.

زقزقة عصافير نقيق ضفادع في البحيرات المنتشرة هنا وهناك. جبال ووديان. هدوء مطلق إنها راحة أبدية لكن جمال الطبيعة هذا ذكّره فجأة بأمه. فأثار هذا استغرابه ودهشته. هذا ما خطر ببال ع. س وهو يتجول في أرجاء الحديقة. لكنه ما إن قطع شوطاً حتى وجد نفسه في مقبرة. فأثار هذا استغرابه. سأل أستاذه المرافق فأجاب:

- هذه مقبرة عائلتكم. ومكانها ركن من أركان الحديقة.

تقدم ع. س بخطاً وجلة من أحد القبور. كان منحوتاً بشكل جميل وأخاذ. قرأ الشاهدة. كانت قد كتبت الفاتحة عليها. ثم هنا يرقد المرحوم. وقرأ ع. س الاسم فبوغت. كان الاسم هو ع. س أيضاً.

نظر إلى أستاذه باستغراب، فابتسم هذا الأخير وقال:

- هذا جدك الأول.

أثار هذا في نفسه شعوراً نسبياً بالارتياح. قال بأن هذا الأمر معقول جداً وطبيعي. ثم ما لبث أن تقدم نحو قبر ثان وقرأ. ثم ثالث وقرأ ورابع وقرأ وخامس. حتى دار في أرجاء المقبرة بأسرها وقد فتت الدهشة نياط قلبه. فقد كانت كلها قبوراً جميلة ومزخرفة بأجمل الزخارف وأحلاها وقد كتبت الفاتحة عليها كلها. لكن الاسم لم يكن يتغير. كان هو نفسه ع. س.

سأل أستاذه المرافق. فأجاب بحزن.

- هذا سر. وقد لا يعنيك فهمه. ثم أن لا أحد يفهمه سوى السيدة الكبيرة.

لكن ع. س رد بغضب:

- بل هذا هو بالضبط ما يعنيني.

ثم خرجا من المقبرة صامتين. تمشيا قليلاً. وقطع ع. س الصمت بقوله:

- نحن من يصنع الحياة وليست الحياة من يصنعنا. هذه هي الحرية. وإلا فإن فكرة الله والإنسان والعلاقة فيما بينهما مغلوطة جداً. وتبقى غامضة للغاية.

ابتسم أستاذ التاريخ. ورد وهو يشعر بالسعادة والحبور:

- ها قد بدأت تتعلم. لقد بدأنا نحصد نتائج الدروس التي يعلمك إياها مختلف الأساتذة.

ثم ما لبث ع. س أن لاحظ أن القصر محاط بأشجار سامقة وطويلة. وبأسوار عالية ومتينة. وكان ثمة أبراج. وقد وقف في كل برج رجل هو أشبه بالجندي وهو مدجج بأحدث الأسلحة قال أستاذ التاريخ موضحاً:

- حراس القصر.

تساءل ع. س:

- ألا يمكنني الخروج خارج القصر؟!..

رد الأستاذ:

- بالطبع لا. وهذا هو بالضبط دور الحرس.

عندها نفذ صبر ع. س وصرخ في وجه أستاذه:

- من ألف هذه الحكاية؟!..

أطرق الأستاذ ولم يجب. فتابع ع. س صراخه:

- هل تستطيع امرأة صماء وبكماء، بل بلهاء وغبية أن تخترع كل هذا؟

لم يجب الأستاذ. فهجم ع. س عليه. طرحه أرضاً ثم أطبق بيديه القويتين محاولاً خنقه وهو يردد:

- سأقتلك إن لم تقل الحقيقة.

تأوه الأستاذ قليلاً. ثم قال وقد بدا أن لا مفر من الكلام.

- حسناً. اتركني وسأخبرك بكل شيء. فأنت آجلاً أم عاجلاً سوف تعرف الحكاية.

عندها تركه ع. س نهض الأستاذ. نظف ثيابه. ثم ابتسم ابتسامة كئيبة. ونظر نحو ع. س نظرة بلهاء وقال:

- إن من اخترع هذه الحكاية. من بنى هذا القصر. من أوصى بتربيتك على هذه الشاكلة. بمعاملتك بهذا الأسلوب. من بنى المقبرة. من عمّر الأسوار ووضع كل هؤلاء الجنود. ليس أمك الصماء البكماء. بل أبوك... أبوك أوصانا بكل هذا. ثم مات إلى الأبد.

شعر ع. س بدهشة عظيمة. خيل إليه أن الأرض تكاد تميد تحت قدميه. وأنه في حالة أشبه بانعدام الوزن. لكن أستاذ التاريخ قطع عليه الطريق وهو يردد:

- عندي انطباع. أو قل هو مجرد إحساس. وأشعر بأني ملزم بنقله إليك.

تساءل ع. س ذاهلاً:

- وما هو؟!..

صمت أستاذ التاريخ برهة يفكر. ثم قال:

- عندي إحساس بأن أباك لم يمت. ونحن حتى الآن لم نعثر له على قبر.

دهش ع. س. وتساءل وهو يزدرد الكلمات. وقد غاصت شفتاه في الزبد:

- هل هذا معقول؟!...

قال أستاذ التاريخ:

- لنفكر قليلاً. إن مخرج التمثيلية التي تتحدث عنها لا يمكن أن يبقى على خشبة المسرح. إنه في العادة يتوارى خلف الستارة. يراقب الأحداث. ثم يحرك الأشياء والممثلين كما يشاء قال ع. س مستفهماً.

- لم أفهم. ولم يفعل ذلك إن كان ما تقوله حقيقياً؟!..

رد أستاذ التاريخ وقد بدا أشبه بالحالم:

- هذا ما لا أستطيع التكهن به. لعله امتحان لك. إنها مشيئته. من الجائز أن ثمة حكمة خالدة وأبدية تكمن وراء كل هذه الألغاز والأسرار.

عندها أطرق ع. س يفكر ملياً . ثم تمتم:

- لعلي بدأت أفهم كل شيء. كل شيء.

ولكن ما إن نطق ع. س بهذه الكلمات حتى أحس بألم فظيع في مفاصله وعظامه. انطرح أرضاً وأخذ يتلوى وهو يصرخ من الألم. ثم بدا أن عظامه بدأت تطقطق. بل بدأت تتحرك وتأخذ في تغيير أشكالها. مفاصله. يداه. قدماه. رجلاه. بطنه وظهره. حتى رأسه. لقد بدا أن ع. س قد أخذ يتحول إلى كائن آخر غريب له شكل آخر. وبغتة نبت شعر في سائر أجزاء جسده. وكان ألمه لا يطاق. ثم تغير شكل الجمجمة. شكل الأنف، شكل الفم برزت الأسنان. ثم هوى يمشي على أربع. لقد تحول ع. س من إنسان إلى قرد. وظل أستاذ التاريخ يحدق فيه ذاهلاً مأخوذاً.

لكن ع. س ظل يفكر ويحس مثل سائر البشر.

همس:

- إنها مؤامرة. المأساة تكمن في أن قوى خفية. لست أدري ما هي. هل هو المخرج؟!..

قد أوحى إلى بقية الممثلين أن يخرجوا خارج خشبة المسرح. من أجل تركي وحيداً أمثل الدور. بل سائر الأدوار. وهذه النقطة الأخيرة هي انتهاك لشرفي وإنسانيتي. إنها خدعة. مجرد خدعة لاصطيادي وتحويلي إلى قرد.

ثم أن ع. س توجه فوراً صوب مخدع أمه. وهناك وجدها جالسة على كرسي. وكان يبدو أنها كانت بانتظاره. ولم يبدُ أنها بوغتت بتحوله المفاجئ. بل خيل إلى ع. س أنها تبتسم ابتسامة رقيقة. لكنه لم يكن يأبه بأي شيء. بل أخذ يصرخ. أخذ يلومها على صمتها عن الحقيقة. ثم يتهمها بأنها شريكة الأب وباقي الحاشية في التآمر عليه وتحويله من إنسان إلى قرد إن صمت الأم ألم لا يطاق. هذا ما نطق به ع. س إنها تمثيلية نسجها أكثر من مخرج.

وكان هو البطل الوحيد فيها. قال بأنه يمثل دوراً إيمائياً على حين كان يعتقد بأنه يشترك مع مجموعة من الممثلين النزيهين والبارعين في أداء هذه المشاهد.

ثم صرخ في ع. س برعب:

- هذه هي قمة المأساة. الوحدة والاستلاب.

ثم لم يعد يحتمل ما جرى فانهار أرضاً وهو يهجس:

- خانتني القصيدة. خانني القراء خانتني الأغنيات. خانني القمر ونجومه. خانني التاريخ. خانتني الأشياء. وخانتني أحاسيسي وحدسي. خانتني الأماني والأحلام. خانني الجسد. ولم يبق مني سوى العقل متيقظاً مثل حية تقاوم حتى نهاية النهاية.

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
sinan

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق